الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
ما أخرجه البخاري، ومسلم [البخاري في "باب إذا نوى بالنهار صومًا" ص 257، ومسلم في "باب صوم عاشوراء" ص 359 - ج 1] عن سلمة بن الأكوع أنه عليه السلام أمر رجلًا من أسلم: أن أذن في الناس: أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء، انتهى. قال الطحاوي [ص 327]: فيه دليل على أن من تعين عليه صوم يوم، ولم ينْوِه ليلًا أنه يجزئه نهارًا قبل الزوال، قال ابن الجوزي في "التحقيق": لم يكن صوم عاشوراء واجبًا، فله حكم النافلة، يدل عليه ما أخرجاه في "الصحيحين" [البخاري: ص 268، ومسلم: ص 358.] عن معاوية سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يقول: هذا يوم عاشوراء، ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإِني صائم، فصام الناس، قال: وبدليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء، انتهى. قال صاحب "التنقيح": والجواب أن حديث معاوية معناه: ليس مكتوبًا عليكم الآن، أو لم يكتب عليكم بعد أن فرض رمضان، قال: وهذا ظاهر، فإن معاوية من مسلمة الفتح، وهو إنما سمعه من النبي عليه السلام بعد ما أسلم، في سنة تسع، أو عشر، بعد أن نسخ صوم عاشوراء برمضان، ورمضان فرض في السنة الثانية، ونسخ عاشوراء برمضان في "الصحيحين" [البخاري: ص 268، ومسلم: ص 357.] عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان يوم عاشوراء يومًا يصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان، قال: من شاء صامه، ومن شاء تركه، انتهى. قال: وأما ترك الأمر لقضائه: فإن من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه قضاؤه، كما قيل فيمن بلَغ أو أسلم في أثناء يوم من رمضان، على أنه قد روى الأمر بالقضاء في حديث غريب، أخرجه أبو داود في "سننه" [أبو داود في "باب فضل صوم عاشوراء" ص 339، والبيهقي: ص 221 - ج 4] عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه: أن أسلم أتت النبي عليه السلام، فقال: صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه، قال أبو داود: يعني عاشوراء، انتهى. وهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه، وفي صحته نظر، انتهى كلامه. - الحديث الثالث: روى أنه عليه السلام كان يقول بعد ما يصبح غير صائم: - "إني إذًا لصائم"، قلت: أخرجه مسلم [مسلم في "باب جواز صوم النافلة بنية من النهار" ص 364، والنسائي: ص 319] عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين، قالت: دخل عليَّ النبي عليه السلام ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: إني إذًا صائم، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول اللّه أهدى لنا حيس، فقال: أدنيه، فلقد أصبحت صائمًا، فأكل، انتهى. - الحديث الرابع: قال عليه السلام: - "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا"، قلت: أخرجه البخاري، ومسلم [البخاري في "باب قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال" الخ: ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال" ص 348] عن أبي هريرة، واللفظ للبخاري، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه، فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"، انتهى. وفي لفظ لهما: فعدوا ثلاثين، وفي لفظ: فأكملوا العدة، وفي لفظ: فصوموا ثلاثين يومًا، والمصنف رحمه اللّه احتج بهذا الحديث على أن اليوم الثلاثين من شعبان يوم شك إذا غم هلال رمضان، وأنه لا يجوز صومه إلا تطوعًا، قال ابن الجوزي في "التحقيق": وأصح الروايتين عن أحمد رضي اللّه عنه، أنه يجب صومه بنية من رمضان، ولا يسمى يوم شك، قال: ويوم الشك فسره أحمد بأن يتقاعد الناس عن طلب الهلال، أو يشهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة، والتابعين رضي اللّه عنهم، واستدل لأصحابنا، ومن قال بقولهم، بأربعة أحاديث: أحدها: حديث البخاري المتقدم: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"، ثم أجاب عنه بأن الإِسماعيلي قال في "صحيحه" الذي خرجه على البخاري: تفرد به البخاري عن آدم عن شعبة، فقال فيه: فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، وقد رويناه عن غندر، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن علية، وعيسى بن يونس، وشبابة، وعاصم بن علي، والنضر بن شميل، ويزيد بن هارون، كلهم عن شعبة، لم يذكر أحدًا منهم: فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، وإنما قالوا فيه: فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، قال الإِسماعيلي: فيجوز أن يكون آدم رواه على التفسير من عنده، وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا اللفظ من بين من رواه عنه وجه، قال ابن الجوزي رحمه اللّه: فعلى هذا يكون المعنى: فإن غم عليكم رمضان فعدوا ثلاثين، ولا يصير لهم فيه حجة، على أن أصحابنا يؤوّلون ما انفرد به البخاري من ذكر شعبان، فقالوا: نحمله على ما إذا غم هلال رمضان، وهلال شوال، فإِنا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين، احتياطًا للصوم، فإِنا وإن كنا قد صمنا يوم الثلاثين من شعبان، فلسنا نقطع بأنه من رمضان، ولكنا صمناه حكمًا، قال: ويدل على ما قلناه شيئان: أحدهما: عود الضمير على أقرب مذكور، وهو قوله: وأفطروا لرؤيته. الثاني: أن مسلمًا رواه مفسرًا: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يومًا، انتهى كلامه. قال صاحب "التنقيح": وما ذكره الإِسماعيلي من أن آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون رواه على التفسير من عنده للخبر، فغير قادح في صحة الحديث، لأن النبي عليه السلام إما أن يكون قال اللفظين، وهو ظاهر اللفظ، وإما أن يكون قال أحدهما، وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى، فإن اللام في قوله: فأكملوا العدة للعهد - أي عدة الشهر - والنبي عليه السلام لم يخص بالإِكمال شهرًا دون شهر، إذا غم، فلا فرق بين شعبان وغيره، إذ لو كان شعبان غير مراد من هذا الإِكمال لبيّنه، لأن ذكر الإِكمال عقيب قوله: صوموا وأفطروا، فشعبان وغيره مراد من قوله: فأكملوا العدة، فلا تكون رواية: فأكملوا عدة شعبان مخالفة لرواية: فأكملوا العدة، بل مبينة لها. أحدهما: أطلق لفظًا يقتضي العموم في الشهر، والثاني: ذكر فردًا من الأفراد، قال: ويشهد له حديث أخرجه أبو داود، والترمذي [أبو داود في "باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" ص 325، والترمذي في "باب: إن الصوم لرؤية الهلال والافطار له" ص 87، والطحاوي: ص 253، وأحمد: ص 226] عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب، فكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما"، ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" [الطيالسي: ص 348، ومن طريقه البيهقي: ص 208 - ج 4] حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس [في نسخة - الدار - "عن عكرمة به" "البجنوري".]: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة، فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان. قال: وبالجملة فهذا الحديث نص في المسألة، وهو صحيح كما قال الترمذي، وسماك، وثقه أبو حاتم، وابن معين، وروى له مسلم في "صحيحه" قال: والذي دلت عليه الأحاديث في هذه المسألة، وهو مقتضى القواعد: أن كل شهر غم أكمل ثلاثين، سواء في ذلك شعبان، ورمضان، وغيرهما، وعلى هذا يكون قوله: "فإن غم عليكم، فأكملوا العدة" راجعًا إلى الجملتين، وهما قوله: صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة، أي غم عليكم في صومكم، أو فطركم، هذا هو الظاهر من اللفظ، وباقي الأحاديث تدل على ذلك، كقوله: "فإن غم عليكم، فأقدروا له"، انتهى. - الحديث الثاني: أخرجه أبو داود، والنسائي [أبو داود في "باب إذا أغمى الشهر" ص 325، والنسائي في "باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم" ص 3 - 1، والطحاوي: ص 254 عن رجل من أصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وكذا الدارقطني: وقال: كلهم ثقات، والبيهقي: ص 208، وقال: وصله جرير عن منصور، بذكر حذيفة، وهو ثقة حجة] عن جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: - "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة قبله"، انتهى. ورواه ابن حبان في "صحيحه"؛ وأخرجه النسائي أيضًا [والترمذي: ص 86 عن البعض فقط] عن سفيان عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي عليه السلام، فذكره أيضًا، وأخرجه أيضًا عن الحجاج بن أرطاة عن منصور عن ربعي، فذكره عن النبي عليه السلام مرسلًا، وقال: لا أعلم أحدًا من أصحاب منصور قال فيه: عن حذيفة غير جرير، انتهى. قال ابن الجوزي: وحديث حذيفة هذا ضعفه أحمد، ثم هو محمول على حال الصحو، لأنه لم يذكر فيه الغيم، أو على ما إذا غم هلال رمضان، وهلال شوال، كما سبق، قال في "التنقيح": وهذا وهم منه، فإن أحمد إنما أراد أن الصحيح قول من قال: عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، وإن تسمية حذيفة، وهم من جرير، فظن ابن الجوزي أن هذا تضعيف من أحمد للحديث، وأنه مرسل، وليس هو بمرسل، بل متصل، إما عن حذيفة، وإما عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، وجهالة الصحابة غير قادحة في صحة الحديث، قال: وبالجملة فالحديث صحيح، ورواته ثقات، محتج بهم في الصحيح، انتهى. - الحديث الثالث: أخرجه أبو داود [أخرجه أبو داود: ص 325] عن معاوية بن صالح عن عبد اللّه بن أبي قيس عن عائشة، قالت: كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يتحفظ من هلال شعبان مالا يتحفظ من غيره، ثم يصوم رمضان لرؤيته، فإن غم عليه عدّ ثلاثين يومًا ثم صام، انتهى. ورواه الدارقطني [الدارقطني: ص 227] وقال: إسناده صحيح، قال ابن الجوزي: وهذه عصبية من الدارقطني، كان يحيى بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، قال في "التنقيح": ليست العصبية من الدارقطني، وإنما العصبية منه، فإن معاوية بن صالح ثقة صدوق، وثقه أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو زرعة. وقال ابن أبي حاتم: سألت عنه، فقال: حسن الحديث، صالح الحديث. واحتج به مسلم في "صحيحه"، ولم يرو شيئًا خالف فيه الثقات، وكون يحيى بن سعيد كان لا يرضاه، غير قادح فيه، فإن يحيى شرطه شديد في الرجال، وكذلك قال: لو لم أرو إلا عمن أرضى، ما رويت إلا عن خمسة. وقول أبي حاتم: لا يحتج به، غير قادح أيضًا، فإنه لم يذكر السبب، وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الثقات الأثبات من غير بيان السبب، كخالد الحذاء، وغيره، واللّه أعلم. - الحديث الرابع: روى ابن الجوزي من طريق الإِمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي بسنده عن يعلى بن الأشدق عن عبد اللّه بن جراد، قال: - أصبحنا يوم الثلاثين صيامًا، وكان الشهر قد أغمى علينا، فأتينا النبي عليه السلام، فأصبناه مفطرًا، فقلنا: يا نبي اللّه صمنا اليوم، فقال أفطروا، إلا أن يكون رجلًا يصوم هذا اليوم فليتم صومه، لأن أفطر يومًا من رمضان يتمارى فيه، أحب إلي من أن أصوم يومًا من شعبان ليس منه - يعني من رمضان - قال الخطيب: ففي هذا الحديث كفاية عما سواه، وشنع ابن الجوزي على الخطيب في روايته لهذا الحديث تشنيعًا كثيرًا، وقال: إنه حديث موضوع على ابن جراد، لا أصل له، ولا ذكره أحد من الأئمة الذين ترخصوا في ذكر الأحاديث الضعيفة، وإنما هو نسخة يعلى بن الأشدق عن ابن جراد، وهو نسخة موضوعة، قال أبو زرعة: يعلى بن الأشدق ليس بشيء، وقال ابن عدي: يعلى بن الأشدق عن عمه عبد اللّه ابن جراد أحاديثه منكرة، وهو وعمه غير معروفين، وقال البخاري رحمه اللّه: لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، انتهى. ووافقه صاحب "التنقيح" على جميع ذلك، وأقره عليه، واللّه أعلم بالصواب. - الحديث الخامس: قال عليه السلام: - "لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعًا". قلت: غريب جدًا [قال الحافظ في "الدراية" ص 172: معناه يخرج من الحديثين الماضي والآتي، واللّه أعلم]. - الحديث السادس: قال عليه السلام: - "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين". قلت: رواه الأئمة الستة في "كتبهم" [البخاري في "باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم أو يومين" ص 256، ومسلم في "باب وجوب صوم رمضان" ص 348، والترمذي: ص 86، وأبو داود: ص 326، والنسائي: ص 305، و ص 307، وابن ماجه: ص 120] من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فيصومه" [كذا في ابن ماجه، وفي نسخة - الدار - "فيصوم" ولفظ مسلم: "فليصمه" "البجنوري".]، انتهى. وآخر الحديث يدفع تأويل صاحب الكتاب، فإنه استدل للشافعي بهذا الحديث على كراهية صوم يوم الشك تطوعًا، ابتداءً، أي لا يوافق عادة، ثم قال: ومعنى الحديث لا تصوموا رمضان في غير أوانه، ويرده ما وفع في لفظ أيضًا: لا تقدموا بين يدي رمضان [محط الرد، قوله: بين يدي رمضان.] بصوم يوم ولا يومين، وقد جاء بالتصريح عند البيهقي، عن عبد اللّه بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نهى عن صوم قبل رمضان بيوم، والأضحى، والفطر، وأيام التشريق، انتهى. وقال: انفرد به عبد اللّه بن سعيد، وهو ضعيف [لفظ البيهقي: "هو غير قوي".] ورواه الواقدي بإِسناد له عن سعيد المقبري به، وهو ضعيف، وقال صاحب "التنقيح": عبد اللّه بن سعيد المقبري أبو عباد أجمعوا على ضعفه، وعدم الاحتجاج به، انتهى. ومذهب الشافعي كراهية الصوم بعد نصف شعبان، وحجتهم ما أخرجه الترمذي، والنسائي [الترمذي في "باب كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان" ص 92 - ج 1، وأبو داود في "باب كراهية ذلك" ص 326، وابن ماجه في "باب النهي أن يتقدم رمضان بيوم ص 120، بلفظ: فلا صوم حتى يأتي رمضان] عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "إذا بقي النصف من شعبان فلا تصوموا"، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح لا يعرف إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، ومعناه عند بعض أهل العلم أن يفطر الرجل حتى إذا انتصف شعبان أخذ في الصوم، انتهى. وقال النسائي: لا نعلم أحدًا روى هذا الحديث غير العلاء، وروى عن الإِمام أحمد رضي اللّه عنه أنه قال: هذا الحديث ليس بمحفوظ، قال: وسألت عنه ابن مهدي فلم يصححه: ولم يحدثني به، وكان يتوقاه، قال أحمد: والعلاء ثقة، لاينكر من حديثه إلا هذا، وعند النسائي فيه: فكفوا، قال ابن القطان في "كتابه": وروى [رواه الدارمي في "مسنده" ص 220.]: فأمسكوا، رواه وكيع عن أبي العميس عن العلاء، وروى محمد بن ربيعة عن أبي العميس عن العلاء، فكفوا، قال: وبين هذين اللفظين، ولفظ الترمذي فرق، فإن هذين اللفظين نهي لمن كان صائمًا عن التمادي في الصوم، ولفظ الترمذي نهي لمن كان صائمًا، ولمن لم يكن صائمًا عن الصوم بعد النصف، انتهى كلامه. وقال البيهقي في "المعرفة": قال أبو داود: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، انتهى. وقال البيهقي أيضًا: قال الشافعي: أختار أن يفطر الرجل يوم الشك في هلال رمضان، إلا أن يكون يومًا كان يصومه، فأختار أن يصومه، انتهى. وهذا خلاف ما نقله صاحب الكتاب عن الشافعي. قوله: روى عن علي [أخرج البيهقي في "سننه الكبرى" ص 211 - ج 4 عن عبد اللّه بن أبي موسى، مولى بني نصر أنه سأل عائشة رضي اللّه تعالى عنها عن اليوم الذي يشك فيه الناس، فقالت: لأن أصوم من شعبان أحب إلى من أن أفطر رمضان، اهـ. وأخرج نحوه عن أسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة، وأخرج الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 - ج 2 ومن طريقه الدارقطني: ص 223 عن فاطمة بنت الحسين أن رجلًا شهد عند عليٍّ على رؤية الهلال، فصام، وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يومًا من شعبان، أحب إليَّ أن أفطر يومًا من رمضان، اهـ. قال الحافظ في "التلخيص" ص 197: فيه انقطاع، اهـ]، وعائشة أنهما كانا يصومان يوم الشك تطوعًا، قلت: غريب، وفي "التحقيق" لابن الجوزي مذهب علي، وعائشة أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم أو نحوه، قال: وهو أصح الروايتين عن أحمد، قال: وعلى هذه الرواية لا يسمى يوم الشك، بل هو من رمضان حكمًا، واللّه أعلم، انتهى. - الحديث السابع: قال عليه السلام: - "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم". قلت: غريب أيضًا، والمعروف هذا من قول عمار، أخرجه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم [أبو داود في "باب كراهية صوم يوم الشك" ص 426، والترمذي: ص 86، والنسائي: ص 306، وابن ماجه: ص 120، والطحاوي: ص 356، والحاكم: ص 423، والدارقطني: ص 227، والبخاري: ص 256 تعليقًا، والدارمي: ص 212.] عن أبي خالد الأحمر عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر، قال: كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأُتي بشاة مصلية، فتنحى بعض القوم، فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، انتهى: ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الثامن والسبعين، من القسم الأول، والحاكم في "المستدرك"، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ورواه الدارقطني في "سننه"، وقال: حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات، انتهى. وقال ابن عبد البر. هذا حديث مسند عندهم لا يختلفون في ذلك، وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقًا، فقال: وقال: صلة عن عمار: من صام يوم الشك إلى آخره، ووهم القاضي شمس الدين في "الغاية" فعزاه للبخاري، ومسلم. ومسلم لم يروه، والبخاري إنما ذكره تعليقًا، وذكر أنه قلد سبط ابن الجوزي في ذلك. - حديث آخر: رواه الخطيب في "تاريخ بغداد [تاريخ بغداد" ص 397 - ج 2.] - في ترجمة محمد بن عيسى بن عبد اللّه الأدمي" حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال: من صام اليوم الذي يشك فقد عصى اللّه ورسوله، انتهى. ثم قال: تابع الأدمي عليه أحمد ابن عاصم الطبراني عن وكيع، ورواه إسحاق بن راهويه عن وكيع، فلم يجاوز به عكرمة، وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري، لم يذكر فيه ابن عباس، انتهى. - حديث آخر: رواه البزار في "مسنده" [قال الهيثمي في "الزوائد" ص 203 - ج 3: رواه البزار، وفيه عبد اللّه بن سعيد المقبري، وهو ضعيف، قلت: تقدم الحديث في الحديث السادس، ورواه الدارقطني: ص 227، بإسناد آخر، وقال الواقدي: غيره أثبت منه] حدثنا محمد بن المثنى حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا عبد اللّه بن سعيد عن جده عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام نهى عن ستة أيام من السنة: يوم الأضحى. ويوم الفطر: وأيام التشريق. واليوم الذي يشك فيه من رمضان، انتهى. - الحديث الثامن: - "صوموا لرؤيته"، وتقدم قريبًا. - الحديث التاسع: صح أنه عليه السلام - قبل شهادة الواحد العدل في رؤية هلال رمضان، قلت: فيه أحاديث: - منها حديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة [تقدم في ص 435 في الحديث الثاني.] عن زائدة بن قدامة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال: إني رأيت الهلال، قال: أتشهد أن لا إله إلا اللّه؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدًا رسول اللّه؟ قال: نعم، قال: يا بلال أذن في الناس، فليصوموا، انتهى. ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: على شرط مسلم. فإنه احتج بسماك، والبخاري احتج بعكرمة، انتهى. ولفظ ابن خزيمة، وابن حبان، وابن ماجه، قال: يا رسول اللّه، إني رأيت الهلال الليلة، وعند الدارقطني [الدارقطني: ص 228، وأبي داود: ص 327، والترمذي: ص 87]: جاء ليلة رمضان، وفي لفظ لأبي داود: رأيت الهلال - يعني هلال رمضان - وتابع زائدة على إسناده الوليد بن أبي ثور، وحازم بن إبراهيم، فرواه عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فحديث الوليد بن أبي ثور، عند أبي داود، والترمذي، قال الترمذي: حديث ابن عباس فيه اختلاف، وأكثر أصحاب سماك يروونه عنه عن عكرمة عن النبي مرسلًا، انتهى. وحديث حازم ابن إبراهيم، عند الطبراني في "معجمه" [والدارقطني: 227.] ورواه عن سماك أيضًا حماد بن سلمة، واختلف عليه، فأخرجه البيهقي في "سننه" عن عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس مسندًا، ورواه أبو داود في "سننه" [أبو داود في "سننه" ص 327، والحاكم في "المستدرك" عن عثمان بن سعيد ص 424 - ج 1، وعنهما البيهقي: ص 212 - ج 4.] حدثنا موسى بن إسماعيل به مرسلًا، لم يذكر فيه ابن عباس، وقال فيه: فنادى في الناس: أن تقوموا، وأن تصوموا، وقال: لم يذكر فيه القيام إلا حماد بن سلمة، انتهى. ورواه عن سماك أيضًا سفيان الثوري، واختلف عليه أيضًا، فأخرجه النسائي [ص 300.] في "سننه" عن الفضل بن موسى الشيباني عن سفيان عن سماك به مسندًا، ثم أخرجه عن ابن المبارك عن سفيان به مرسلًا، قال: وهذا أولى بالصواب [قال: وهذا، الخ، لم أجد في المطبوعة، واللّه أعلم .أقول: لعل هناك سقطًا في المطبوعة، وهذه العبارة موجودة، في نسخة - الدار - أيضًا "البجنوري".]، لأن سماكًا كان يلقن فيتلقن، وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل، انتهى. قال الحافظ محمد بن عبد الواحد: رواية زائدة [رواية زائدة، عند أبي داود، والنسائي، ورواية حازم بن إبراهيم، عند الدارقطني، ورواية أبي عاصم، عند الحاكم أيضًا]، وحازم بن إبراهيم البجلي مما يقوي رواية الفضل الشيباني، وقد رأيت ابن المبارك يروى كثيرًا من حديث صحيح فيوقفه، انتهى. - حديث آخر: أخرجه أبو داود في "سننه" [أبو داود في "باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان" ص 327، والحاكم: ص 423، والدارقطني ص 227.] عن مروان بن محمد عن ابن وهب حدثنا يحيى بن عبد اللّه بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر، قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه، انتهى. ورواه الحاكم في "مستدركه" عن هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب به، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بسند أبي داود، وكذلك الدارقطني في "سننه"، وقال: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب، وهو ثقة، انتهى. وسند الحاكم وارد عليه. - حديث آخر: أخرجه الدارقطني عن حفص بن عمر الأيلي حدثنا مسعر بن كدام، وأبو عوانة، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس، قال: شهدت المدينة وبها ابن عمر، وابن عباس، فجاء رجل إلى واليها فشهد عنده على رؤية الهلال - هلال رمضان - فسأل ابن عمر، وابن عباس عن شهادته، فأمراه أن يجيزه، وقالا: إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال - هلال رمضان - قالا: وكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا يجيز شهادة الإِفطار إلا بشهادة رجلين، انتهى. وقال: تفرد به حفص بن عمر الأيلي، وهو ضعيف، انتهى. قال صاحب "التنقيح": حفص هذا، هو حفص بن عمرو بن دينار الأيلي، وهو ضعيف باتفاقهم، ولم يخرج له أحد من أصحاب السنن، وأما حفص بن عمر بن ميمون العدني المعروف بالفرخ، فروى له ابن ماجه، ووثقه بعضهم، وليس هو هذا. - الآثار: روى أحمد في "مسنده" حدثنا يزيد بن هارون أنبأ ورقاء عن عبد الأعلى الثعلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنت مع البراء بن عازب، وعمر بن الخطاب في البقيع، ننظر إلى الهلال، فأقبل راكب فتلقاه عمر، فقال: من أين جئت؟ قال: من المغرب، فقال: أهللت؟ قال: نعم، قال عمر: اللّه أكبر، إنما يكفى المسلمين الرجل الواحد، انتهى. وعبد الأعلى هذا متكلم فيه. - حديث آخر: رواه الشافعي [الشافعي في "كتاب الأم" ص 80 - ج 2.] أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد اللّه ابن عمر بن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسن أن رجلًا شهد عند علي رضي اللّه عنه على رؤية هلال رمضان، فصام، وأحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يومًا من شعبان، أحب إلى من أن أفطر يومًا من رمضان، انتهى. - حديث لمالك رضي اللّه عنه في "الشاهدين": استدل لمالك في قوله: "لا يصام ولا يفطر إلا بشهادة عدلين" بحديث أخرجه الدارقطني عن حسين بن الحارث الجدلي أن أمير مكة خطبنا، فقال: عهد إلينا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن ننسك، فإن لم نره، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة؟ فقال: لا أدري، ثم لقيني بعدُ، فقال: هو الحارث بن حاطب، انتهى. وقال: إسناده صحيح متصل.
|